هل يحتاج المغرب «حكومة وطنية» في مواجهة تداعيات كوفيد-19؟
الداخلة الرأي/بقلم: احمد بابا اهل عبيد الله
هل يحتاج المغرب «حكومة وطنية» في مواجهة تداعيات كوفيد-19؟
السؤال المطروح اليوم داخل المشهد السياسي المغربي مفاده: هل فعلًا يحتاج المغرب إلى «حكومة وطنية» أو حكومة «تكنوقراط» مستقلة، لمواجهة فيروس كورونا، وتداعيات المستقبلية «الاجتماعية والاقتصادية» أم أن الهدف من تحريك السؤال داخل الفاعل السياسي بالمغرب هو استغلال «الجائحة » من أجل إزاحة حزب العدالة والتنمية من الواجهة؟
عرف المشهد السياسي المغربي، عدة تحولات منذ التعديلات الدستورية 2011، ورغم ما جاء به الدستور الجديد من تعديلات دستورية، أعطت للأحزاب والفاعل السياسي صلاحيات جديدة، في كيفية العمل السياسي داخل البلاد، فإن الصراعات بين الأحزاب داخل الحياة السياسية بالمملكة، لم ينته ولم يأخذ مسار التوافقات شكله المستمر، بل كانت هناك عراقيل بين جل الأحزاب، بسبب الخلافات في التوجهات، ويمكن التحدث عن الموضوع من خلال إشكاليين: إشكال مرحلة البلوكاج، وإشكال تداعيات كورونا.
أولًا: حزب المصباح وإشكالية “البلوكاج”
منذ تولي حزب العدالة والتنمية، زعامة المشهد السياسي بالمغرب، لاسيما وأن الظرفية التي أتى بها الحزب آنذاك كانت تحت غطاء «الحراك العربي»، والذي عرف المغرب نصيبًا منه «حركة 20 فبراير»، وترتب عليها داخل البلاد، تغيرات مهمة داخل الحياة السياسية، وكان من أهم تلك التغيرات التعديلات الدستورية وما تلاها من استحقاقات، منذ ذلك الوقت، مرت الحكومة المغربية بقيادة «العدالة والتنمية»، بعدة تحولات. كان أبرزها «البلوكاج»، فرغم أن المستجدات الدستورية الجديدة، أعطت الأولوية في تشكيل الحكومة للحزب الفائز في الانتخابات العدالة والتنمية.
لكن ذلك، لم يعط الراحة السياسية المناسبة لحزب «المصباح»، الذي دخل في إشكالات تشكيل الحكومة، وتطلب منه ذلك فترة زمنية غير قصيرة، إضافة إلى أزمة «البلوكاج»، والتي بدأت مع زعيم الحزب «عبد الإله بن كيران». إذ أدت به «أزمة البلوكاج»، في آخر المطاف، إلى الخروج من الحياة السياسية، «انتهى الكلام» ولو عمليًّا. بعد ذلك، تم تنصيب زميل في الحزب «سعد الدين العثماني» على رأس الحكومة، هو الآخر، ورغم اختصاصه «النفسي» فلم يرتح من عائق البلوكاج، واستمر الحال معه، حتى تشكيل حكومة ثانية، من خلال توافقات، لم تكن في حسابات كوادر الحزب.
أما اليوم، فحكومة العثماني، تدخل إشكالًا آخر، يتجلى في «تداعيات كورونا أو كوفيد-19» على تماسك الحكومة.
ثانيًا: هل تطفئ كورونا إضاءة «المصباح»؟
أثارت دعوة قيادة حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» المغربي، وهو أحد أحزاب الائتلاف الحكومي، إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للوباء، جدلًا ونقاشًا في المغرب. حيث، اقترح، الأمين العام لحزب «الاتحاد الاشتراكي»، إدريس لشكر، إمكانية إنهاء حكومة العثماني والتحوُّل نحو حكومة وحدة وطنية، معتبرًا أن “المغرب في حالة حرب تتطلب وحدة وطنية”.
هذا الاقتراح وجد داخل الفاعلين السياسيين المنتمين لحزب المصباح معارضة شديدة؛ إذ اعتبروا أن الدعوة إلى حكومة وحدة وطنية أمر لا يستند إلى أي أساس من الوثيقة الدستورية، وقالوا إنها مبادرة تغلب عليها المصالح الشخصية داخل الأحزاب الداعية لها.
أما رئيس الحكومة سعيد العثماني فقال ردًّا على الاقتراح بأن: «لا معنى لحكومة إنقاذ وطنية؛ لأنه يتم اللجوء إليها عندما تكون هناك أزمة سياسية في البلاد ونحن لسنا في أزمة سياسية ولم يقل بهذا أحد». وأضاف رئيس الحكومة: «جميع دول العالم التي تواجه كورونا لم تلجأ لهذا الأمر ولا مبرر له بتاتًا، وواجهوا الجائحة بحكوماتهم وبرلماناتهم وينتصرون عليها، إما قليلًا وإما كثيرًا، ونحن نواجهها بهذه الأدوات». وفي مستهل أقواله أكد رئيس الحكومة، بأن كوفيد -19 سيستمر سنتين، كون الوباء ما يزال في بداية الانتشار، ولا يعرف عنه الكثير، واللقاح لم ينتج بعد، بمعنى أن الرسالة واضحة هنا من قبل رئيس الحكومة العثماني، اتجاه الخصوم في العمل السياسي، ويمكن تلخيص رد أمين «المصباح» فيما يلي: من أراد تشكيل حكومة وطنية، فعليه الانتظار حتى موعد الانتخابات القادمة أو أكثر من ذلك.
في الختام، وجهة نظرنا، وحسب الحصيلة الانتخابية التي يمتلك المصباح سابقًا، فيمكن القول إن الحزب الذي ما يزال يسيطر على المشهد السياسي بالمغرب، ولو بنسب ضعيفة، مقارنة مع أول ظهور له على الساحة السياسية وخاصة بعد «الربيع العربي» وحركة 20 فبراير. حيث، يعد أكثر الأحزاب التي عرفت، كيف تقرأ ظرفية «الربيع العربي»، بشكل أفضل وتفتح لها المجال، لتكتسح الانتخابات الأولى في ظل دستور جديد. لذلك، من يقول إن وزراء الحزب «العدالة والتنمية»، قد ينسحبون أو يتركون الساحة للفرقاء السياسيين في هذه الظرفية. هذا الطرح مستبعد، كون الانسحاب في هذه الفترة وترك الساحة يعد خذلانًا للمواطن، وانتحارًا سياسيًّا.
بمعنى آخر، وهو الأهم. فالجدل الحاصل حول «حكومة وطنية» أو البقاء على الحال كما هو، ليس هو «تفكير» المواطن البسيط، الأهم هو أن تكون جميع الآراء والأقوال، والأطروحات تصب في منحى واحد: كيف يمكن تحريك عجلة «التنمية الاقتصادية- الاجتماعية»؛ لأجل التخفيف على المواطنين، من تداعيات كوفيد-19، ومساعدتهم على تخطي الأزمة بسلام. من هنا: ” المواطن يقدر الأشياء بالكيف لا بالكم “.