هل تؤثر الصين على التوازنات الدولية… مستقبلا؟

الداخلة الرأي / بقلم: احمد بابا اهل عبيد الله

يعتبر “كوفيد – 19 ” أخطر وباء يهدد البشرية، بعد الحرب العالمية الثانية، لما خلفه من خسائر في الأرواح والإصابات، والأزمات الاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية على جميع دول المعمورة، ولا يزال يحصد المزيد.
وفي ظل هذه الرؤية الضبابية العالمية، تظهر للعلن داخل الساحة الدولية، مواجهات بين الدول الكبرى حول أسباب “الجائحة “. فالولايات المتحدة الأمريكية، ومعها دول أوروبية تتهم الصين، وتقول إنها هي المصدر الأول للفيروس وتتهمها بخلق الوباء في “مختبراتها”، وتطالبها بتفسيرات وتوضيحات، وكذا بتعويضات عن الخسائر التي افرزتها داخل مجتمعاتها.
على النقيض من ذلك، الصين تدافع عن نفسها وتؤكد أن الفيروس كانت أسباب طبيعية محضة، وترد على مهاجمتها بذلك، بأن الأخرين (أمريكا-أوروبا) يتهيمنها بدون دلائل ظاهرة، ويغطون “الأعين” عن الطريقة الغير صائبة في مواجهتهم للوباء. هذا التراشق المتسارع بين كبار دول العالم يطرح السؤال التالي: كيف سيكون تأثير الصين على التوازنات الدولية مستقبلا؟

– الصين في ظل التغيرات الدولية

في ظل التغيّرات، التي طرأت على المشهد الدولي في العقدين الأخيرين، تسعى الصين دائما، أن تكون فاعلة في المشهد الدولي. فقد ارتكزت المدركات الصينية للتحوّلات العالمية على الرغبة في حماية تجربة الاصلاح الاقتصادي، والمحافظة على طابعها الصيني الخاص، وهو ما عرف بالتجربة الصينية، وإيجاد الشروط الملائمة لاستمرارها واللازمة لإنجاحها، لما لها من أهمية في بناء دور الصين المستقبلي.
ولقد سعت الصين بعد إنهاء جزء مهم من إصلاحاتها الداخلية على المستويين السياسي والاقتصادي، إلى الانطلاق نحو تأكيد الحضور وبلورة معالم الدور عالميا، في نظام دولي أخذت معالمه ترتكز على معطيات اقتصادية محضة وعلى المصالح وفتح الأسواق “العولمة”، بعد أن كان للإيديولوجيا في معظم مراحل القرن الماضي، دور مهم في إدارة السياسات الخارجية للدول وفي رسم بنية التحالفات والتوازنات على المسرح الدولي.
فتغير معالم النظام الدولي وظهور مفهوم ” القرية الواحدة” قد ساعد الصينين من جملة قيود كانت تكبلها، وفتح أمامها هامشا واسعا وفرصة جديدة كي تتعامل مع جملة قضايا ربما كانت تعد في عهد القطبية الثنائية، حكرا على القوّتين العظميين، الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي السابق.

وهذا التغيير العالمي في هيكل الصراعات الدولية، أعطى ل «بكين” فرصة حاسمة بأن تكون فاعلا دوليا ولها دور محوري في التفاعلات والأحداث الدولية والإقليمية، ولهذا تحركت باتجاه مجموعة قضايا.
حيث تحول نمط التفكير الصيني من موقع “الانحسار النسبي” في مرحلة القطبية الثنائية، إلى “الانفتاح النشيط” في مرحلة القطبية الأحادية، الأمر الذي فرض على الصين أن تجهز نفسها للبحث عن مقومات دور جديد يتلاءم وحقائق التغيير، وأن تثبت من خلاله مكانتها الدولية. وهذا ما عكسته، مجموعة من الإنجازات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، حققتها الصين في العقود الأخيرة، وفتحت لها بذلك، البيئة الأنسب لتتحرك داخل دهاليز الساحة الدولية.

 -هل تتولى الصين الزعامة الدولية بعد كوفيد -19؟
ما بعد كورونا؟ سؤال يطرحه جميع الباحثين والمتتبعين للشأن الدولي وللعلاقات الدولية، فهناك انقسامات حول السيناريوهات التي سيكون عليها المسرح الدولي ما بعد نهاية “الجائحة”. لذلك، ورغم أن السيناريوهات متعددة، لكن يمكن القول في هذا الاتجاه، أن العالم سوف يتغير بعد “جائحة كورونا “.
فالدول بشكل عام والعظمى على وجه الخصوص في مسعى دائم لتحسين مكانتها الدولية، وتعظيم نفوذها، لتعزيز مصالحها وحمايتها. ومن موارد التميز والتفوق لدولة على أخرى ما تتوافر عليه من امكانيات اقتصادية، عسكرية، تكنولوجية، سياسية، وغيرها، والقدرة على توظيف هذه الامكانيات بالشكل الأمثل من حيث تحديد الأهداف ومراحل الانجاز، والأولويات وأهميتها وبما يلائم امكانياتها وقدراتها. ومن هنا جاء السؤال: كيف هي الصين ما بعد كورونا؟
الجميع رأى ما أبانت عنه الصين، خلال مواجهتها لفيروس كورونا، فمواجهة الصين للوباء، أعطي صورة واضح للعالم وللقوى الكبرى الفاعلة في الساحة الدولية، بأن التنين الصيني بدأت عوامل قوته تظهر للعلن، فرغم أن الصعود الصيني كان ظاهر ومكشوف من خلال القوة الاقتصادية التي أبانت عنها الصين منذ عقود، لكن مواجهتها لفيروس كورونا أعطى نظرة ثانية للأخرين عن القوة الخفية ل “بكين”.

فمن خلال هذه الصورة والأبحاث المطروحة نستشف أن الساحة الدولية “ما بعد كورونا” ستتغير من حيث التوازنات والمؤثرين. فالصين، ستصبح الفاعل القوي في تغيير التوازنات داخل الساحة الدولية، مع تراجع الولايات الأمريكية “تراجع طفيف”، وهذا التراجع سيؤثر على المنحى العالم لرؤية” البيت الأبيض” للعالم.
اما مفهوم “الإتحاد”، ما بعد كورونا وهذا ينطبق على “الإتحاد الأوروبي”، فلن تبقى له تلك الرؤية المستقبلية، التي تبناها مؤسسين التكتل. فمفهوم الانسجام والتعاون والمصير المشترك لم يتجسد في مواجهة “كوفيد-19 “، بل اكتفت دول الاتحاد الاوربية، بقوانينها وحماية شعوبها، ومؤسساتها، بعيدا عن ميثاق وقوانيين الاتحاد، ليطرح السؤال أين هو مفهوم الإتحاد، ولماذا لم ترجع دول الاتحاد الأوربي الى قوانينها المشتركة “البرلمان الأوربي”؟ لذلك، أوروبا يمكن أن تنقسم إلى ثلاث توجهات، توجه يدور في الفلك الصيني، والثاني يتبع المصالح الروسية، والتوجه الأخير يستمر مع المصالح الأمريكية..

ختام القول، وفي إطار استشراف التوازنات القادمة، يبدو أن الصين تمضي بخطى ثابتة، تحكمها المصلحة والوعي الجيوسياسي الجديد، الذي يتطلب حنكة دبلوماسية عالية، فالصين كانت معروفة بتمرّدها على مبادئ العلاقات الدولية، كما كان الحال في فترة “ماو تسي تونغ”. إلا أنها في السنوات الأخيرة، اتخذت استراتيجية خارجية محورها تطوير الحوار والتنمية على المستوى الدولي، وتغليب البعد البراغماتي على البعد الإيديولوجي، كسياسة تتبعها مع دول العالم، وتوسيع نفوذها في العلاقات الدولية عن طريق الانخراط في التكتّلات الإقليمية والدولية كمجموعة “البريكس”، واتت جائحة فيروس “كوفيد- 19” لتفرز الدور المحوري للصين داخل الساحة الدولية في المستقبل القريب.





شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...